اخبار النهرين

الاقتصاد العراقي على حافة الانهيار: خطر مالي وشيك يسبق ولادة الحكومة الجديدة

نشر في: 16 نوفمبر ,2025: 12:55 م
58 مشاهدة
+ الخط -
قناة النهرين الفضائية - بينما تتواصل المشاورات بين الكتل السياسية لتشكيل حكومة عراقية جديدة، والتي قد تستغرق عدة أشهر، تشير البيانات المالية والنقدية والوقائع الرسمية إلى أن الاقتصاد العراقي بات يقترب من نقطة حرجة قد تشهد انهياراً تدريجياً قبل إتمام عملية التشكيل الحكومي، وسط استمرار غياب الموازنة الاتحادية لعام 2025، واتساع فجوة العجز المالي، واستنزاف الاحتياطي النقدي، وتعطل المشاريع، وتزايد أرقام الفقر والبُنى المالية المترهلة وتفشي الفساد المالي والاداري.

عجز مالي يلامس 15 تريليون دينار واحتياطي يتراجع

تشير البيانات الرسمية المتداولة، إلى أن إجمالي إيرادات العراق حتى نهاية شهر آب من العام الجاري 2025 بلغ 82 تريليون دينار، منها 73 تريليون دينار فقط من صادرات النفط، بينما لم تتجاوز الإيرادات غير النفطية 9 تريليونات دينار.

في المقابل، بلغ إجمالي الإنفاق الحكومي 87.5 تريليون دينار، تضاف إليها 5 تريليونات دينار تُحتسب ضمن السلف الحكومية وتُدرج لاحقاً في نهاية السنة كمصروفات فعلية.
وبذلك يصبح العجز المالي الفعلي المتوقع بنهاية السنة نحو 15 تريليون دينار، وهو ما يشير إلى خلل خطير في التوازن المالي للدولة.

وبحسب خبراء فأن هذا العجز قد تمت تغطيته عبر السحب المباشر من احتياطيات البنك المركزي العراقي، حيث أظهرت البيانات أن وزارة المالية باعت للبنك ما قيمته 49 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من 2025، فيما قام البنك ببيع أكثر من 60 مليار دولار عبر نافذة العملة.
هذا الفارق البالغ 11 مليار دولار يمثل سحباً مباشراً من الاحتياطي الأجنبي لتغطية النفقات بالدولار، في مشهد يعكس نمطاً غير مستدام في إدارة النقد الأجنبي، خاصة في ظل أسعار نفط مستقرة نسبياً بين 60 و65 دولاراً للبرميل، والتي بالكاد تغطي النفقات التشغيلية.

غياب موازنة 2025: المشاريع مجمدة والصلاحيات محدودة

مع اقتراب نهاية العام، لا تزال موازنة 2025 معلّقة دون إقرار نيابي، مما أجبر الحكومة على الاستمرار بالعمل وفق قاعدة 1/12 من موازنة العام السابق.
هذا الوضع المالي الاستثنائي أدى إلى تجميد شبه تام في المشاريع الاستثمارية والخدمية، ومنع الوزارات من إطلاق أو استكمال المشاريع، مما أثّر بشكل مباشر على النمو الاقتصادي في المحافظات، التي تُعد الأكثر تضرراً من تأخير التخصيصات.

تداعيات هذا الجمود لا تتوقف عند تعطيل المشاريع، بل تمتد إلى تراجع فرص العمل، وانكماش السوق المحلية، وتآكل الثقة بالاستقرار المالي، وهي عوامل تؤدي إلى تقلص بيئة الاستثمار في البلاد.

مقترحات مالية مثيرة للجدل: تأخير الرواتب وإعادة جدولة الصرف

في ظل هذه المؤشرات المتفاقمة، تداولت الأوساط الحكومية مؤخراً مقترحات غير رسمية بشأن إمكانية تأخير صرف الرواتب إلى كل 45 يوماً بدلاً من 30، وهو ما أثار موجة من القلق الشعبي والتكهنات حول قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها المالية الأساسية خلال الأشهر المقبلة.

هذه المقترحات، وإن لم تُقر رسمياً، تعكس حجم الضغوط المالية التي تواجهها وزارة المالية والبنك المركزي، في غياب أي تحرك حقيقي لتعزيز الإيرادات غير النفطية أو ضبط النفقات التشغيلية.

تقييم المرحلة 2022–2025: الوفرة النفطية لم تُوظف لبناء اقتصاد متنوع

رصد الأداء الاقتصادي خلال السنوات الأربع الماضية (2022–2025) يكشف عن فشل واضح في استغلال الفرص المالية الناتجة عن تحسن أسعار النفط.
رغم العوائد النفطية الكبيرة، لم تشهد البلاد أي تحوّل في هيكل الاقتصاد، حيث بقيت نسبة الاعتماد على النفط تتجاوز 92%، في حين تراجعت مساهمات الصناعة والزراعة إلى أقل من 7% مجتمعة.

في المقابل، شهدت الموازنات العامة زيادة ملحوظة في التعيينات الحكومية، ما أدى إلى تضخم الجهاز الإداري، وارتفاع فاتورة الرواتب بشكل جعلها تستهلك أكثر من 60% من إجمالي الإنفاق العام، ما قلّص قدرة الدولة على تمويل مشاريع تنموية أو استثمارية جديدة.

الفقر متعدد الأبعاد: مؤشر خطر اجتماعي متصاعد

بحسب بيانات رسمية، يعاني 36.8% من العراقيين – أي حوالي 17 مليون نسمة – من فقر متعدد الأبعاد يشمل قطاعات التعليم والصحة والعمل ومستوى المعيشة، فيما يعيش 17.5% تحت خط فقر الدخل النقدي المباشر.
وتؤكد المؤشرات أن نصف أطفال العراق يعانون من حرمان مركب، بينما لا تتجاوز نسبة مشاركة النساء في سوق العمل 11%.

هذا النوع من الفقر، بحسب التقارير الأممية، بات هيكلياً ومتجذراً في بنية الدولة، خصوصاً في المحافظات الجنوبية، التي تسجل معدلات فقر مضاعفة مقارنة بالعاصمة بغداد وإقليم كردستان.

مؤشرات دولية: نمو رقمي لا ينعكس على المعيشة

تقرير لمجلة CEOWORLD صنّف العراق في المرتبة 116 عالمياً في مستوى دخل الفرد، بمعدل سنوي متوقع قدره 5873 دولاراً عام 2026، وهو رقم لا يعكس تحسناً فعلياً في مستويات المعيشة اليومية، حيث لا يزال الإنفاق العام موجهًا إلى البنود التشغيلية، لا إلى الخدمات أو التنمية.

الدين العام والتوظيف الحكومي: تضخم مستمر دون إنتاجية

يُقدَّر الدين الداخلي بأكثر من 97 تريليون دينار عراقي، فيما يبلغ الدين الخارجي 41 مليار دولار، وتعمل مؤسسات الدولة بأكثر من 4.7 ملايين موظف حكومي، وهو رقم يمثل نحو 11% من إجمالي السكان.

هذا التضخم في التوظيف خلق بطالة مقنّعة واسعة النطاق، استنزفت موارد الدولة، وعمّقت الأزمة الهيكلية في الاقتصاد، خاصة أن ثلثي الموازنة موجّهة لتغطية أجور ومخصصات الموظفين.

الاقتصاد يقترب من نقطة الانكسار قبل اكتمال الحكومة الجديدة

كل المعطيات الراهنة – من عجز مالي متفاقم، إلى غياب موازنة، إلى استنزاف الاحتياطيات، إلى تضخم الجهاز الإداري، واتساع الفقر – تشير إلى أن الاقتصاد العراقي يقترب من لحظة حرجة قد تسبق تشكيل الحكومة الجديدة، والتي يتوقع مراقبون أن يستغرق ولادتها ما لا يقل عن ستة أشهر.

ومع استمرار الاعتماد شبه الكامل على النفط، وانعدام الإصلاحات المالية الجادة، وغياب رؤية اقتصادية بعيدة المدى، فإن العراق يواجه تحدياً وجودياً في حماية اقتصاده من الانهيار الشامل.


قناة النهرين :
البث المباشر