اخبار النهرين

أهالي ميسان يقايضون "براميل الموت" مع الصينيين بـ "الرفش" .. كارثة بيئية تهدد مستقبل الأجيال في المحافظة

نشر في: 3 أكتوبر ,2025: 02:21 م
19 مشاهدة
+ الخط -

قناة النهرين الفضائية - تشهد محافظة ميسان خطرا جديدا في تلوث مياه الشرب يهدد ارواح المواطنين جراء انتشار براميل خاصة لمنتجات كيميائية ستتخدم لاستراج النفط، حيث كانت تحتوي تلك البراميل على مثبط الرغوة والتي تستخدم لقياس حجم الطين الحقيقي اثناء عملية الحفر من قبل الشركات الصينية العاملة في حقول النفط.
وذكر تقرير لموقع االعربي الجديد اطلعت عليه "النهرين"، انه في حالةٍ تشبه العودة إلى حقبة ما قبل عام 2003، يستخدم أهالي محافظة ميسان البراميل البلاستيكية لغرض تخزين المياه وسقي المزروعات ورعاية الحيوانات الداجنة، إلا أن خطر التلوث الكيميائي أصبح واقعاً دون درايتهم فهم يستخدمون براميل خاصة لمنتجات كيميائية تستخدم لاستخراج النفط.
واشارت الموقع، انه لا يبدو الفرق كبيراً، فبراميل مثبطات الرغوة لا تختلف كثيراً عن البراميل الأخرى، كلتاها باللون الأزرق إلا أن برميل مثبط الرغوة مغلق (مادة تستخدم لقياس حجم الطين الحقيقي أثناء عملية الحفر) ويحمل فوهة صغيرة للتفريغ بينما البراميل المخصصة للاستخدام البشري تحمل غطاءً أسود كبير.
واوضحت ان فرق السعر بين البرميلين لا يتجاوز خمسة دولارات، إلا أن العوائل الفقيرة تفضل شراء البراميل الرخيصة دون إدراك أنها تحمل بقايا مواد كيميائية سامة ومسرطنة.
(ح.غ) وهو حارس في حقل نفطي بمحافظة ميسان، يقول “إن البراميل المستخدمة تُسرب بشكل دوري فلا أرى أي منها يصل إلى المحارق المخصصة بل أراها في الأسواق بدلاً عن ذلك.”
ويؤكد أن عملية التسريب تحدث عن طريق تعاون موظفين عراقيين وصينيين سوياً أو بطريقة أخرى، ألا وهي إهداء حيوان “الرفش” الذي يتواجد في أهوار ميسان وهو مهدد بالانقراض، إلى أحد المتنفذين في الحقول النفطية كي يتساهل بتسريب البراميل النفطية.
براميل مثبطات الرغوة عادة ما تحتوي على كحول وسيليكونات ووبوليمرات خاصة، وبعد التفريغ، تبقى طبقة أو ترسبات على جدران البرميل الداخلية، وإذا ما تم استخدامها لخزن المياه فقد تسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي، تسمم الكبد والكلى ومشاكل في الجهاز العصبي، واضطراب الغدد والهرمونات.
ويستهجن الباحث البيئي سعد صالح هذه الحالة ويؤكد أن هذه البراميل وإن تمت إعادة تدوريها فيجب استخدامها لنفس الغرض لأنها غير آمنة للاستخدام البشري.
من جهته (م.ب) وهو عامل في مجال انتاج النفط، يلفت إلى أن هناك استراتيجية خاصة للتعامل مع المواد الكيميائية المستخدمة لمعالجة النفط وهناك شروط سلامة عالمية يجب الالتزام بها بما يتعلق بمعالجة المخلفات، كما يتوفر بروتوكول عالمي يسمى (ايزو) يجب أن تلتزم بها الشركات النفطية للحفاظ على سلامة المكان والموقع.
يؤيده (ح.ك) وهو مهندس في خط الانتاج، ويضيف أن كل حقل له آلية خاصة للتعامل مع المخلفات ويجب أن تكون لدى كل شركة خطط احتواء وقسم خاص بالبيئة والتلوث يتعامل مع النتائج العرضية والحالات الطارئة.
لكن الناشط البيئي مرتضى الجنوبي، بيَّن أن “حقل الحلفاية الذي يقع بمحاذاة هور الحويزة يواجه انتهاكات بيئية غير مسبوقة، وأن الطيور المهاجرة تسقط في مستنقعات النفط وتموت، والأرقام كبيرة لكن لا توجد احصائيات دقيقة حتى هذه اللحظة.”
وقرب حقل بازركان يقع هور السناف الذي جف تقريباً بسبب المخلفات النفطية الناتجة عن الحقل، فغالبا ما يتم رمي المخلفات النفطية سراً داخل الهور لغرض التخلص منها بأقل كلفة ممكنة، وفي حالة حدوث انفجار أو فطر في الأنبوب النفطي الخاص بالاستخراج، فيتم سحب النفط الخام وتبديل التربة بالكامل، لكن غالبا ما يتم تنفيذ الخطوة الأولى وتترك التربة للموت البطيء، وقد حول ذلك وديان خضراء شاسعة مثل الطيب والفكة والشرهاني إلى مناطق صحراوية.

ولم تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد، ففي عام 2023، تم توقيع عقد بين شركة ميسان النفطية وشركة (جيو – جيد) الصينية لتطوير حقل نفط ضمن منطقة الأهوار (حقل الحويزة) وهو ما يُعدّ تعدٍ على مناطق محمية بيئياً ومساساً بنظام الأهوار الطبيعي.

ويُلزم قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009، الشركات النفطية بمعالجة جميع مخلفاتها ومنع تصريف الملوثات إلى الأنهار أو الأراضي الرطبة إلا بعد التأكد من مطابقتها للمعايير البيئية، كما يفرض على كل منشأة خطة طوارئ واضحة لمعالجة التسربات والحوادث العرضية.

ما يحدث في ميسان من تسريب براميل مثبطات الرغوة إلى الأسواق أو رمي المخلفات داخل الأهوار ليس مجرد تقصير، بل هو مخالفة قانونية صريحة قد تستوجب الغرامات والعقوبات الجنائية.

الأخطر أن هذه الممارسات تمثل أيضًا انتهاكًا لألتزامات العراق الدولية، إذ أن الأهوار مسجلة ضمن “اتفاقية رامسار للأراضي الرطبة”، كما أن العراق عضو في “اتفاقية التنوع البيولوجي” التي تلزمه بحماية الأنواع المهددة بالانقراض.

وبذلك، فإن ما يجري لا يقتصر على تهديد بيئي محلي، بل يعد خرقًا للقانون الدولي، الأمر الذي يضع الحكومة والشركات معًا أمام مسؤولية مضاعفة وقد يحوّل القضية من مجرد إهمال إداري إلى ملف قانوني دولي.

يستكمل مرتضى الجنوبي حديثه، أن “الحكومة العراقية تعلم بكل هذه الخروقات، إلا أنها اختارت القطرة السوداء على حساب السكان الأصليين والتنوع البيئي، مشيراً إلى أن هور الحويزة مهدد بالجفاف وأن أنواع كبيرة من الثروة السمكية بدأت بالفعل بالانقراض.

أما الباحث سعد صالح، فيختتم حديثه بالقول “إن الحل يتلخص بالمتابعة الدقيقة من الحكومة لهذه الخروقات ومعالجتها ومحاسبة المتورطين بتسريب المخلفات النفطية للأسواق وردعهم لأثبات قوة الدولة وتحديد شرعية الشركات الصينية”.

ويردف أن “التوعية المجتمعية من خلال منظمات المجتمع المدني لسكان هذه المناطق عن أضرار استخدام المخلفات النفطية ضروري جداً لحمايتهم من خطر الإصابة بأمراض مختلفة ولحماية حيواناتهم التي تشكل مصدر رزقهم الوحيد”.

ويكمل أن “سلسلة الحلول بممارسة الضغط الدولي من خلال نشر التقارير والصور والبيانات وقصص المجتمعات في هذه المناطق لخلق ورقة ضغط على الحكومة المحلية للتحرك بشكل جدي، ناهيك عن إضافة مادة البيئة للمناهج الدراسية لغرض تشكيل حالة من الوعي الجمعي حول الآلية الصحيحة للتعامل مع المخلفات النفطية وكيفية الاهتمام بالبيئة في آن واحد.




قناة النهرين :
البث المباشر