قناة النهرين الفضائية - أدى تراجع الإطلاقات المائية من تركيا إلى في مشهد غير مألوف، حيث انحسرت مياه بحيرة سد الموصل، شمالي العراق، لتكشف عن مقبرة تعود للطائفة الإيزيدية، بعضها ما زال يحتفظ بشواهد القبور ونقوشها المميزة رغم مرور أكثر من أربعة عقود على غمرها بالمياه.
وفي تصريحات صحفية تابعتها "النهرين" قال سكان محليون من قرى مجاورة، إنهم شاهدوا خلال جولاتهم على أطراف البحيرة عشرات القبور الحجرية وقد ظهرت من تحت الماء، بعضها محفوظ بشكل لافت، وتعلوها شواهد تحمل كتابات وزخارف خاصة بالإيزيديين، من بينها كلمة "ملك" التي ترمز في العقيدة الإيزيدية إلى "ملك طاووس"، الملاك الرئيس والمقدس لديهم.
وأضاف أحد الشهود: "كنا نعلم أن في قاع البحيرة توجد قرى ومدافن قديمة غمرتها المياه بعد إنشاء السد في ثمانينيات القرن الماضي، لكن رؤية القبور بأعيننا أمر مختلف. النقوش واضحة، وبعض الشواهد ما تزال في أماكنها الأصلية، وكأن الزمن توقف منذ غمرت المياه هذه الأرض".
وتظهر على بعض الشواهد رموز وزخارف على شكل طاووس أو أشعة شمس، وهي رموز مقدسة لدى الإيزيديين، تعبر عن النور والطهارة في عقيدتهم، إضافة إلى بيانات عن أسماء المتوفين وتواريخ ميلادهم ووفاتهم، مكتوبة باللغة الكوردية وبعضها بالعربية، ما يعكس التنوع اللغوي والثقافي لدى أبناء الطائفة.
ويشير باحثون محليون في تاريخ المنطقة إلى أن هذه المدافن تعود لقرى إيزيدية كانت قائمة على ضفاف نهر دجلة قبل بناء السد، وأن سكانها أُجبروا على النزوح في إطار مشروع إنشاء أكبر سد في العراق، ما أدى إلى غمر أراضيهم ومنازلهم ومقابرهم بالكامل.
الباحث في التراث الديني، عمار الياس، أوضح في تصريح صحفي تلقته "النهرين" أن "ظهور هذه القبور لا يمثل مجرد مشهد إنساني مؤثر، بل هو وثيقة حية على الوجود التاريخي للإيزيديين في هذه المناطق".
وأضاف: "كل شاهد قبر هو جزء من ذاكرة جماعية، تحمل في طياتها قصص الأفراد والعائلات والمجتمع الذي عاش هنا لقرون".
من جانبه، أشار مصدر في وزارة الموارد المائية، إلى أن انخفاض منسوب بحيرة سد الموصل يعود إلى عدة عوامل، أبرزها تراجع الواردات المائية من تركيا، وزيادة السحب لتغطية الاحتياجات الزراعية والصناعية، فضلاً عن شح الأمطار في السنوات الأخيرة.
ولفت المصدر إلى أن هذه الظاهرة تتكرر كلما انخفضت مستويات المياه بشكل حاد، إذ تظهر أسس مبانٍ قديمة وطرق ترابية وحتى مزارع كانت تعج بالحياة قبل أن تتحول إلى قاع بحيرة.
ويقول الخبير في شؤون الأديان، خالد جليل، إن "وجود قبور إيزيدية في مناطق مختلفة من نينوى يؤكد أن الطائفة كانت منتشرة تاريخياً في مساحة أوسع بكثير مما هي عليه الآن، قبل أن تدفعها الظروف السياسية والاقتصادية إلى الانحسار في مناطق محدودة".
وأضاف الياس: "هذه القبور هي شواهد على عمق الجذور، وهي أيضاً فرصة للباحثين والمهتمين بدراسة النقوش والرموز لفهم المزيد عن التراث الإيزيدي".
ومع عودة هذه المدافن إلى الظهور، يطرح البعض تساؤلات حول إمكانية توثيقها أو نقل شواهدها للحفاظ عليها من التلف أو السرقة، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي قد تعيد غمرها أو تعرضها للتعرية.
ويرى مختصون أن هذه اللحظة تمثل فرصة نادرة لإجراء مسح أثري وتوثيقي شامل، ليس فقط للمدافن الإيزيدية، بل لكل ما قد يظهر من آثار وقرى غمرتها البحيرة، إذ إن هذه المواقع تمثل سجلًا تاريخيًا حيًا لفترة ما قبل إنشاء سد الموصل.