تلعب "أفلام الأنمي" و"أفلام الكارتون" الحديثة دوراً مؤثراً في ذهنية الأطفال، ولها تأثيرات جمّة على صحتهم النفسية، فيما ينصح متخصصون العائلات بالحرص على تقديم محتوى جيد يشاهده أطفالهم، مثل أفلام الكارتون القديمة كـ "السندباد" و"توم وجيري" وغيرها.
ويلفت الباحث التربوي فالح القريشي، إلى أن "أفلام الكارتون الجديدة موجهة من قبل خبراء كبار، بينهم روائيون، وهي تحمل رسائل ومحتويات يتأثر بها الصغار وتتضمن مخاطر كثيرة"، مشيراً إلى "وجود بعض الفوائد، ومنها تنمية الثروة اللغوية عند الأطفال واكتساب بعض المهارات والمعارف والمعلومات وتنمية الخيال الذي يُعد ضرورياً للأطفال، لأنه يحفّز على الإبداع والابتكار من خلال القصص والحكايات".
ويضيف القريشي، أن "مظاهر أفلام الكارتون كثيرة جداً حتى على الكبار"، منوهاً إلى أن "شركة (ديزني) تنتج 500 فيلم سنوياً، وأن نحو 95% من هذه الأفلام تؤدي إلى العنف والعدوان وتعلم الطفل الجنسية المثلية والإباحية، وثمة محاولات لتركيز الجنسية المثلية في ذهن الطفل، وأدت مشاهدات الأطفال لهذه الأفلام إلى انحرافات أخلاقية في المدارس العراقية والعربية".
ويشير إلى أن "مشاهدة هذه الأفلام ينتج عنها أضرار جسمانية، إذ تؤدي إلى قلة الحركة والسمنة وتقوس العظام، إضافة إلى حدوث أضرار في العين وخلل بالسمع، ومخاطر نفسية مثل التبلد والاكتئاب وقلة العلاقات الاجتماعية، وإهمال الهوايات والقدرات والاهتمامات”.
ويلعب الأداء المدهش للممثلين والإخراج المتقن والموسيقى والألوان الزاهية المستخدمة في أفلام الأنمي دوراً كبيراً في جذب الأطفال وتعلقهم بالمشاهدة أوقاتاً طويلة.
وقد وضعت 70 دولة دليلاً للتربية على مواقع التواصل الاجتماعي يتضمن تأثير أفلام الكرتون على الأطفال.
وتقول لينا علي، ناشطة مهتمة بقضايا المرأة والطفل، خلال حديثها إن "أفلام الكارتون وخاصة الأنمي تؤثر على الطفل بشكل سلبي من حيث الإدراك والتركيز والعنف وظهور بعض الاضطرابات النفسية".
وأصبحت أفلام الكارتون في الوقت الحالي، وفقاً لكلامها، تنقل صورة سلبية وتحث على الفسق والفجور والشذوذ الجنسي بطرق مبطنة، فيما كانت أفلام الكارتون سابقاً تحمل رسالة وحكمة تنتقل إلى أدمغة الأطفال.
وتوضح لينا، أن "ما يحصل في أفلام الأطفال الحديثة من عنف وشر وارتداء أزياء غريبة وشخصيات كارتونية رجالية تتشبه بالنساء وبالعكس، وتتضمن هذه الأفلام لقطات حميمية، بالإضافة إلى بعض المؤثرات الصوتية التي أثبتت الدراسات أنها ذبذبات تؤثر على الإدراك والتركيز"، مشيرة إلى أن ذلك "يؤدي إلى تراجع المستوى الدراسي لدى الأطفال".
وتؤكد على "أهمية أخذ الحيطة والحذر ومتابعة الأبناء من حيث المحتوى، واختيار الأنسب"، لافتة إلى أن "هذه المشكلة تُعد من مشاكل العصر التي يصعب السيطرة عليها".
في حين، أشارت دراسات جديدة إلى أن مشاهدة الأفلام في الطفولة لفترات طويلة تتسبب بتشتت الانتباه وضعف التركيز لدى الأطفال، كما تسهم بلجوئهم إلى العنف والعصبية الزائدة وتغيير السلوك.
في المقابل، تقول أستاذة علم النفس مناهل الصالح، إن "مرحلة الطفولة تُعد من أهم وأخطر المراحل التي يمر بها الإنسان منذ ولادته إلى أن ينمو ويكبر، حيث يتعلم خلالها المعارف ويكتسب الخبرات، ويُعتبر التلفزيون وسيلة اتصال فعالة ويطلق عليه اسم المربي الثاني في الأسرة نظراً للوقت الطويل الذي يقضيه الأطفال أمامه".
وفي حديث للوكالة، تضيف أن "أفلام الرسوم المتحركة تلعب دوراً مهماً في تكوين شخصية الطفل ورسم ملامحها وتحتل مكانة في أعماقه لأنها تُقدَّم في قوالب جميلة”، مبينة أن "الشق السلبي هو الأكثر في هذه الأفلام، بعد اتضاح النماذج العدوانية التي يتعرض لها الطفل في التلفاز، لا سيما برامج الرسوم المتحركة التي تؤثر بشكل قوي على ظهور العدوان لدى الأطفال وتبث في نفوسهم الخوف والقلق وغير ذلك من المشكلات والتأثيرات السلبية".
وتتابع الصالح، حديثها بالقول إن "أغلب الأطفال يشاهدون أفلام كارتون بمفردهم، ويميلون لمشاهدة الأفلام التي فيها قتل وعنف، وتتوزع ردود أفعالهم إزاء ذلك بين الخوف والتوتر والتقليد"، مشيرة إلى "وجود تقصير من الأسرة في تحديد وقت ونوع الأفلام المتحركة التي يشاهدها الأطفال ومراقبتهم عند تقليدهم العنف".
بدورها، تسرد ملاك حكمت، التي تعمل في أحد رياض الأطفال، تجربتها مع الآثار السلبية التي تتركها مشاهدة أفلام الكارتون الحديثة.
وتوضح ملاك، في حديثها للوكالة، أن “الأطفال الذين يشاهدون أفلام كارتون من القنوات الجديدة، يمتازون بالعنف وصعوبة التعلم والفهم، ويكون اختلاطهم مع الأطفال الآخرين صعباً للغاية”، مشيرة إلى أنه “ومن خلال عملها الطويل في رياض الأطفال تستطيع بسهولة تمييز الأطفال الذين يشاهدون أفلام الأنمي من خلال تصرفاتهم وسلوكهم”.
وفي الروضة التي أعمل بها هناك أطفال يميلون إلى العنف والعزلة ويرغبون بالعودة سريعاً إلى البيت من أجل مشاهدة الأفلام، ولا يرغبون بمشاركة الأطفال في الأنشطة والفعاليات والألعاب اليومية التي نقدمها لهم في الروضة، بما يعني وجود خلل كبير في شخصياتهم، وعلى أولياء أمورهم تدارك الأمر سريعاً، حسب حديث حكمت.
وتشدد على ضرورة أن "يضبط الأهل أوقات ومحتوى مشاهدة أطفالهم، باختيار أفلام قديمة وتثقيفية وتربوية، ويُبعدوهم عن مشاهدة أفلام الكارتون الجديدة، بالأخص أفلام (ماشا والدب) أو (سبونج بوب) أو الأنمي، لأنها مأخوذة من شخصيات غير طبيعية ومصابة بالتوحد أو الخيال المفرط".
ويفتقر العراق إلى وجود دليل إرشاد للتعامل مع الشاشات، ويقترح فالح القريشي استحداث مادة دراسية حول فن التعامل مع الشاشات والتعريف بالمخاطر.
وتمثل أفلام الأنمي والرسوم المتحركة الحديثة تحدياً كبيراً للأسر العراقية، لأنها تُقدَّم بنسق جذاب يسترعي انتباه الأطفال وتركيزهم، ويتم إنتاجها بإمكانات فنية عالية، بهدف تدمير عقول الأطفال وبث العنف والانحراف والعزلة والاكتئاب والأمراض الأخرى التي تشل قدراتهم وتعيق تقدمهم، كما تثبت ذلك الدراسات الحديثة، وهو ما يضع المؤسسات التربوية والإعلامية أمام مسؤولية كبيرة في إنقاذ أطفالنا من هذه الأفلام التي تروم تحويلهم إلى أدوات للعنف.