متابعات النهرين
في واحدة من أكثر اللحظات توتراً منذ
انضمامه إلى الدوري الأميركي، وجّه ليونيل ميسي، النجم الأبرز في تاريخ اللعبة،
انتقادات صريحة لتحكيم الدوري، ليجد نفسه في قلب قصة تحاول رابطة الدوري الأميركي
لكرة القدم التعتيم عليها... بل وربما طمسها بالكامل، وذلك وفقاً لرواية نشرتها
صحيفة «الغارديان» البريطانية.
ويعيش إنتر ميامي، فريق ميسي المدجج
بالنجوم، فترة كارثية. الفريق خسر خمس مباريات من آخر سبع، ولم يحقق سوى فوز يتيم،
واستقبلت شباكه 20 هدفاً في تلك المباريات، في تراجع صادم لفريق أنهى الموسم
الماضي بأداء لافت. وميسي؟ لم يكن صامتاً.
ففي مباراته الأخيرة أمام أورلاندو
سيتي، بدا واضحاً أن تذمّره من قرارات الحكم زاد الوضع سوءاً. في نهاية الشوط
الأول، اعترض ميسي على ما عدّه تمريرة مقصودة لحارس أورلاندو بيدرو غاييسي، اعتقد
أنها تستوجب ركلة حرة داخل المنطقة. لكن الحكم لم يتدخل، ووسط احتجاجات ميسي
وزملائه، أرسل غاييسي كرة طويلة استغلها المهاجم لويس موريل ليسجّل هدف التقدم، في
لحظة قلبت المباراة بالكامل.
الغريب ليس فقط في اللقطة المثيرة
للجدل، بل فيما حدث بعدها. برنامج «إم إل إس راب أب» الرسمي، الذي تستعرض فيه
الرابطة ملخصات وتحليلات المباريات، مرّ مرور الكرام على الحادثة دون عرضها
بالصور، رغم أنها كانت لحظة مفصلية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد نشر الحساب
الإسباني الرسمي للدوري على منصة «إكس» مقابلة كاملة مع ميسي بعد المباراة، لكن
سرعان ما تم حذف المقطع، وأُعيد نشره من دون تصريحاته التي انتقد فيها التحكيم.
أما المقطع الرسمي للهدف المثير للجدل
فقد بدأ بطريقة تكاد تكون ساخرة، حيث يظهر فيه موريل وهو يركض نحو المرمى مباشرة،
متجاوزاً أي لقطات للتمرير الخلفي أو احتجاجات اللاعبين، وكأنما قُصّت القصة من
منتصفها عمداً.
ومن الواضح أن ما يجري ليس مجرد رغبة
في ضبط الخطاب، بل محاولة منهجية لإخفاء الجدل، رغم أن الدوري ذاته - مثل كل
بطولات العالم - لا يخلو من الأخطاء، ولا من الصراعات التي تُغذي النقاشات
الجماهيرية.
المفارقة أن هذا النوع من الجدل هو
تماماً ما تحتاجه رابطة الدوري الأميركي لجذب الأنظار، خصوصاً في سوق رياضية
أميركية شديدة التنافسية. نحن نتحدث عن دوري اختار أن يعزل نفسه عن الشبكات
الرياضية الكبرى، ويضع مبارياته ومحتواه الحصري خلف جدار دفع على «أبل تي في»، ما
يجعل الوصول إليه تحدياً حتى لعشاق اللعبة.
وميسي؟ عبّر بصراحة بعد اللقاء لمراسلة
«أبل تي في» ميشيل جيانوني عن استيائه من التحكيم قائلاً: «من تلك اللعبة جاءت
التمريرة الطويلة وأحرز الهدف. أحياناً تحدث أخطاء في لحظات حاسمة. حدث ذلك في
المباراة السابقة أيضاً. لا أبحث عن أعذار، لكن هناك دوماً مشاكل مع التحكيم،
وأعتقد أن رابطة الدوري الأميركي بحاجة لمراجعة الأمور». بل وذكر أن الحكم غيدو
غونزاليس جونيور، قال له إنه لا يعرف قانون التمريرة الخلفية!
تصريحات مثل هذه من أكثر لاعب شهرة في
تاريخ الدوري الأميركي، هي مادة إعلامية دسمة، لا مجرد شكاوى عابرة. لكن الرابطة،
بدلاً من أن تستفيد منها لخلق زخم، بدت وكأنها تخشى الحديث، وتفضّل الصمت أو القصّ
والتعديل.
ببساطة، المشجعون يريدون أن يعرفوا
ماذا حدث. سواء كانوا من عشاق ميسي، أو محبين لإنتر ميامي، أو حتى متفرجين عابرين،
فإن جدلاً مثل هذا يشعل النقاش ويثير الاهتمام. «فريق كبير يفشل»، و«نجم عالمي
ينتقد التحكيم»، هما من أكثر العناوين التي تحرّك الجماهير في مجموعات النقاش،
وعلى وسائل التواصل.
ومع أن أورلاندو استحق الفوز 3 - 0
بجدارة من حيث الأداء، فإن الهدف الأول ظل لحظة محورية دفعت حتى ميسي المتحفظ
عادة، إلى التحدث علناً. لكن الرابطة قررت، على ما يبدو، أن تتجاهل اللقطة. لا
لمجرد أنها لا تريد انتقاداً علنياً، بل لأنها على الأرجح تخشى أن يظهر الخلل...
وأن يتحدث الجميع عنه.
وفي الوقت نفسه، هناك برنامج «Instant Replay» الذي تنتجه رابطة
الدوري الأميركي، ويُفترض أن يراجع اللقطات المثيرة للجدل أسبوعياً. السؤال الآن:
هل ستملك الرابطة الجرأة لعرض هذه اللقطة؟ وهل سيتحدث البرنامج بصراحة، أم
سيتجاوزها كما فعلت البرامج الرسمية الأخرى؟
وبمحاولتها رسم صورة مثالية لمباريات
«نظيفة» حيث «الفائز يفوز، والخاسر يخسر، والكل سعيد»، تخسر رابطة الدوري الأميركي
عنصراً مهماً في نموها: الفوضى المحببة. فكما في دوري الأبطال أو الليغا أو
البريميرليغ، تكون لحظات الجدل والخلاف وقوداً للنقاشات، ومصدراً لجذب اهتمام
الجمهور.
وبينما تعمل الرابطة على بناء تاريخ
وأبطال ولقطات خالدة، فإنها بحاجة أولاً لأن تدخل إلى عقول وقلوب المشجعين الجدد.
وإذا تطلب الأمر نجماً عالمياً غاضباً، وفريقاً متعثراً، وقراراً تحكيمياً مثيراً،
ليبدأ هؤلاء الجماهير في المتابعة والاهتمام، فليكن.
فكل ما يفعله التعتيم أنه يحرم اللعبة
من نبضها.