تابعت 'النهرين'، مقالا تحليلا لصحيفة 'الشرق الأوسط' السعودية الصادرة من لندن، بخصوص تصريحات رئيس الوزراء محمد السوداني الأخيرة، خلال زيارته لمحافظة النجف والتي تحدث فيها عن دعم لموقف المرجعية الدينية من نزع السلاح، وهو ما عدته الصحيفة انضماماً لمواقف المرجع وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وشبهت محاولته الصعبة لإمساك العصا من الوسط بالظروف الحالية التي يعيشها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري في ملف نزع سلاح حزب الله.
يحاول رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الحصول على غطاء من المرجع الديني علي السيستاني، إذ يواجه فصائل مسلحة تمانع حصر السلاح بيد الدولة، بينما كان قادتها يصوبون نحو الحكومة بالتهديد، متمسكين بوضعها 'المقاوم'. لأسباب عديدة، ومنها حملته الانتخابية، سافر السوداني إلى النجف يوم 9 تموز 2025، وأمام تجمع عشائري قال إن 'برنامج الحكومة حريص على توجيهات المرجعية (السيستاني) في حصر السلاح ومكافحة الفساد'، وزاد على ذلك بالقول إن 'القبائل يمكنها المساعدة'. وكلما تعلق الأمر بمواجهة الجماعات الموالية لإيران في العراق، تفرض موازين القوة على رؤساء الحكومات الاستعانة بعناوين يمكنها الصمود أو الوقوف خلفها، السوداني، في هذه الحالة، ليس استثناء، لكن الحديث المتكرر عن تراجع النفوذ الإيراني، الذي يتضمن صمود الفصائل، هو ما يجعل المواجهة الراهنة واضحة جداً بين رئيس حكومة يطمح إلى ولاية ثانية وفصائل تمر بلحظة شك حول وجودها وأصل قوتها.
ولاية ثانية للسوداني بالنسبة لشيعي من الطبقة المتوسطة، تعلم النجاة في المؤسسات الحكومية، ويتعلم النجاة من مطحنة الزعامات إذ ينافسها، وبعد عقدين من العيش في الظل، فإن حلم السوداني الشخصي بولاية ثانية مشروع بالنسبة له، لكن المتغيرات العاصفة في المنطقة لا تنتظر من بغداد، حليفة طهران وصديقة واشنطن، أن تقدم للعالم مجرد أحلام شخصية دون مشروع أكبر، ثمة شيء يجب أن يتغير. حتى يحقق حلمه الشخصي، لا يملك السوداني إلا أن يقدم ضمانات محلية وخارجية، هذه مهمة شبه مستحيلة، وفق قيادي شيعي بارز في 'الإطار التنسيقي'، لكن ماذا لو قرر تحقيق أحلام المنطقة والعالم بأن يتفرغ لسلاح الفصائل؟ يقول القيادي 'تبدو المهمة انتحارية'. يعتقد كثيرون من بيئة 'المقاومة' أن ثمن الولاية الثانية هو تصفية سلاح الفصائل بعد الانتخابات 'وليس الآن'، يقولون إن تراجع النفوذ الإيراني 'محسوس في بغداد لكنه غير ملموس'، وكل فصيل يشعر بأن انشغال الأب بالمفاوضات النووية يكشف ظهر الأبناء، كأنهم يقفون عند أبواب مخازن الأعتدة يحرسونها من 'حصر السلاح'، إذ يكرره على المسامع المرجع السيستاني ومقتدى الصدر، وينضم إليهما السوداني الطامح. بالنسبة لفصيل عنيد مثل 'كتائب حزب الله'، فإن لهجة السوداني تكسر قواعد الاشتباك بين رئيس الحكومة والفصائل. قواعد كانت تقضي بحماية التوازن الشيعي بين السلطة والفصائل. يقول القيادي إن 'الحرس الثوري' الإيراني كان هو الوحيد الذي يلعب دور الناظم في هذه المعادلة. تفقد 'كتائب حزب الله' شيئاً من التوازن في خطابها العام، أكثر مما كان عليه الحال أصلاً. ففي 5 تموز، اعتبر المسؤول الأمني في الفصيل، المعروف باسم 'أبو علي العسكري'، أن سلاح المقاومة هو 'وديعة الإمام المهدي عند المجاهدين (…) والإمام وحده من يقرر مصيره'، يقول العسكري 'أشباه الرجال لا يحق لهم أن يقرروا ما يجب أن يكون عليه السلاح'. ثمة انشغال عراقي بمن يقصده العسكري، محاولة التأويل أو تأشير المقصود محفوفة بالمخاطر، لكن 'كتائب حزب الله' من الداخل ربما تشعر بأن نمط الصراع يتغير، وأن ما هو انتخابي يختلط بما هو إقليمي. وما من تفسيرات بعيدة عن هذه التركيبة المحيرة حين يراقبون التسريبات المصورة تتقاطر عن المدان بقتل الباحث البارز هشام الهاشمي، مرة وهو يعترف على نائب مقرب من الفصيل، ومرة وهو يجسد مسرح الجريمة أمام الشرطة في كشف دلالة على نفسه، وفصيله. في هذه الأجواء التي تستعيد حرب التسريبات المصورة، بعد تجميدها مؤقتاً، تناقش قيادات شيعية 'مخاطر الانتقال إلى ما هو أسوأ، على طريق الانتخابات المربوطة بمصير سلاح الفصائل، وبالتحولات السريعة في المنطقة'. يقول القيادي الشيعي 'يعرف (الإطار التنسيقي) أن شيئاً مفصلياً في جوهر النظام السياسي يجب أن يتغير، لكن وضع الإصبع عليه قد يفجر ألغاماً ومعارك بالمعنى الحرفي للمعركة (…) هذا ما يؤخر الجميع عن اتخاذ الخطوة، ويؤثر هذا على ثقتهم بأن موعد الانتخابات مناسب في تشرين الثاني 2025'؛ مع ذلك، التلاعب بالمواقيت مرفوض جداً، خصوصاً لمن هم متحمسون لفرصهم السياسية، مثل رئيس الحكومة. نبيه بري العراقي لا يتفق تيار سياسي مع فرضية المواجهة المباشرة بين السوداني والفصائل. يقول أشخاص يطلعون بانتظام على مضمون اجتماعات 'إدارة الدولة'، وهو ائتلاف يضم قوى شيعية وسنية وكردية مشاركة في الحكومة، إن 'الأزمة تتعلق بطريق احتواء الضغط الدولي على سلاح الفصائل، وليس ضربها'. بحسب مداولات سياسية أُجريت أخيراً بين فاعلين في هذا الملف، فإن واحدة من الأفكار الأساسية التي يجري اختبارها لإعادة التوازن بين الوضع السوري الجديد، ومتطلبات 'صداقة ترمب'، والبقاء ضمن مرمى البصر الإيراني؛ هي ابتكار صيغة الرجل الذي يمسك العصا من المنتصف، والقادر على التعامل مع الملفات الشائكة بموازاة بعضها. من يقوم بهذا الدور يجب أن يكون في موقع نزاع مع الفصائل، أو هكذا يجب أن يبدو عليه الأمر. يميل سياسيون عراقيون إلى الاعتقاد بأن غضب الفصائل المبالغ فيه على رئيس الحكومة 'الذي يصد عنهم ضغوط الغرب'، هو محاولة لخلق مساحة حرة للتفاوض. شيء من هذا القبيل يشبه الأدوار التي يلعبها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وقد واجه ممانعات الأمين العام لـ'حزب الله' نعيم قاسم بشأن السلاح، بينما كان يفتح الباب أمام المبعوثين الأميركيين على طاولة 'عهد جديد'. مع ذلك، هذه المساحات الرمادية غير متاحة بالدرجة نفسها في العراق، بسبب تعدد الفصائل وتبادل الأدوار فيما بينها. يقول سياسي عراقي إن 'فصيلاً قد يوافق على أن يتولى السوداني إعادة تركيب الصورة لتلائم المتغير في المنطقة، لكن هذا يحتاج إلى أثمان معينة في الداخل، كما أن صفقة واحدة لا تجمع الفصائل، ثمة مصالح لكل جهة، وسلاحها ضمانة وجودية حتى لو تخلت عنه طهران'.
تابعت 'النهرين'، مقالا تحليلا لصحيفة 'الشرق الأوسط' السعودية الصادرة من لندن، بخصوص تصريحات رئيس الوزراء محمد السوداني الأخيرة، خلال زيارته لمحافظة النجف والتي تحدث فيها عن دعم لموقف المرجعية الدينية من نزع السلاح، وهو ما عدته الصحيفة انضماماً لمواقف المرجع وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وشبهت محاولته الصعبة لإمساك العصا من الوسط بالظروف الحالية التي يعيشها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري في ملف نزع سلاح حزب الله.
يحاول رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الحصول على غطاء من المرجع الديني علي السيستاني، إذ يواجه فصائل مسلحة تمانع حصر السلاح بيد الدولة، بينما كان قادتها يصوبون نحو الحكومة بالتهديد، متمسكين بوضعها 'المقاوم'. لأسباب عديدة، ومنها حملته الانتخابية، سافر السوداني إلى النجف يوم 9 تموز 2025، وأمام تجمع عشائري قال إن 'برنامج الحكومة حريص على توجيهات المرجعية (السيستاني) في حصر السلاح ومكافحة الفساد'، وزاد على ذلك بالقول إن 'القبائل يمكنها المساعدة'. وكلما تعلق الأمر بمواجهة الجماعات الموالية لإيران في العراق، تفرض موازين القوة على رؤساء الحكومات الاستعانة بعناوين يمكنها الصمود أو الوقوف خلفها، السوداني، في هذه الحالة، ليس استثناء، لكن الحديث المتكرر عن تراجع النفوذ الإيراني، الذي يتضمن صمود الفصائل، هو ما يجعل المواجهة الراهنة واضحة جداً بين رئيس حكومة يطمح إلى ولاية ثانية وفصائل تمر بلحظة شك حول وجودها وأصل قوتها.
ولاية ثانية للسوداني بالنسبة لشيعي من الطبقة المتوسطة، تعلم النجاة في المؤسسات الحكومية، ويتعلم النجاة من مطحنة الزعامات إذ ينافسها، وبعد عقدين من العيش في الظل، فإن حلم السوداني الشخصي بولاية ثانية مشروع بالنسبة له، لكن المتغيرات العاصفة في المنطقة لا تنتظر من بغداد، حليفة طهران وصديقة واشنطن، أن تقدم للعالم مجرد أحلام شخصية دون مشروع أكبر، ثمة شيء يجب أن يتغير. حتى يحقق حلمه الشخصي، لا يملك السوداني إلا أن يقدم ضمانات محلية وخارجية، هذه مهمة شبه مستحيلة، وفق قيادي شيعي بارز في 'الإطار التنسيقي'، لكن ماذا لو قرر تحقيق أحلام المنطقة والعالم بأن يتفرغ لسلاح الفصائل؟ يقول القيادي 'تبدو المهمة انتحارية'. يعتقد كثيرون من بيئة 'المقاومة' أن ثمن الولاية الثانية هو تصفية سلاح الفصائل بعد الانتخابات 'وليس الآن'، يقولون إن تراجع النفوذ الإيراني 'محسوس في بغداد لكنه غير ملموس'، وكل فصيل يشعر بأن انشغال الأب بالمفاوضات النووية يكشف ظهر الأبناء، كأنهم يقفون عند أبواب مخازن الأعتدة يحرسونها من 'حصر السلاح'، إذ يكرره على المسامع المرجع السيستاني ومقتدى الصدر، وينضم إليهما السوداني الطامح. بالنسبة لفصيل عنيد مثل 'كتائب حزب الله'، فإن لهجة السوداني تكسر قواعد الاشتباك بين رئيس الحكومة والفصائل. قواعد كانت تقضي بحماية التوازن الشيعي بين السلطة والفصائل. يقول القيادي إن 'الحرس الثوري' الإيراني كان هو الوحيد الذي يلعب دور الناظم في هذه المعادلة. تفقد 'كتائب حزب الله' شيئاً من التوازن في خطابها العام، أكثر مما كان عليه الحال أصلاً. ففي 5 تموز، اعتبر المسؤول الأمني في الفصيل، المعروف باسم 'أبو علي العسكري'، أن سلاح المقاومة هو 'وديعة الإمام المهدي عند المجاهدين (…) والإمام وحده من يقرر مصيره'، يقول العسكري 'أشباه الرجال لا يحق لهم أن يقرروا ما يجب أن يكون عليه السلاح'. ثمة انشغال عراقي بمن يقصده العسكري، محاولة التأويل أو تأشير المقصود محفوفة بالمخاطر، لكن 'كتائب حزب الله' من الداخل ربما تشعر بأن نمط الصراع يتغير، وأن ما هو انتخابي يختلط بما هو إقليمي. وما من تفسيرات بعيدة عن هذه التركيبة المحيرة حين يراقبون التسريبات المصورة تتقاطر عن المدان بقتل الباحث البارز هشام الهاشمي، مرة وهو يعترف على نائب مقرب من الفصيل، ومرة وهو يجسد مسرح الجريمة أمام الشرطة في كشف دلالة على نفسه، وفصيله. في هذه الأجواء التي تستعيد حرب التسريبات المصورة، بعد تجميدها مؤقتاً، تناقش قيادات شيعية 'مخاطر الانتقال إلى ما هو أسوأ، على طريق الانتخابات المربوطة بمصير سلاح الفصائل، وبالتحولات السريعة في المنطقة'. يقول القيادي الشيعي 'يعرف (الإطار التنسيقي) أن شيئاً مفصلياً في جوهر النظام السياسي يجب أن يتغير، لكن وضع الإصبع عليه قد يفجر ألغاماً ومعارك بالمعنى الحرفي للمعركة (…) هذا ما يؤخر الجميع عن اتخاذ الخطوة، ويؤثر هذا على ثقتهم بأن موعد الانتخابات مناسب في تشرين الثاني 2025'؛ مع ذلك، التلاعب بالمواقيت مرفوض جداً، خصوصاً لمن هم متحمسون لفرصهم السياسية، مثل رئيس الحكومة. نبيه بري العراقي لا يتفق تيار سياسي مع فرضية المواجهة المباشرة بين السوداني والفصائل. يقول أشخاص يطلعون بانتظام على مضمون اجتماعات 'إدارة الدولة'، وهو ائتلاف يضم قوى شيعية وسنية وكردية مشاركة في الحكومة، إن 'الأزمة تتعلق بطريق احتواء الضغط الدولي على سلاح الفصائل، وليس ضربها'. بحسب مداولات سياسية أُجريت أخيراً بين فاعلين في هذا الملف، فإن واحدة من الأفكار الأساسية التي يجري اختبارها لإعادة التوازن بين الوضع السوري الجديد، ومتطلبات 'صداقة ترمب'، والبقاء ضمن مرمى البصر الإيراني؛ هي ابتكار صيغة الرجل الذي يمسك العصا من المنتصف، والقادر على التعامل مع الملفات الشائكة بموازاة بعضها. من يقوم بهذا الدور يجب أن يكون في موقع نزاع مع الفصائل، أو هكذا يجب أن يبدو عليه الأمر. يميل سياسيون عراقيون إلى الاعتقاد بأن غضب الفصائل المبالغ فيه على رئيس الحكومة 'الذي يصد عنهم ضغوط الغرب'، هو محاولة لخلق مساحة حرة للتفاوض. شيء من هذا القبيل يشبه الأدوار التي يلعبها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وقد واجه ممانعات الأمين العام لـ'حزب الله' نعيم قاسم بشأن السلاح، بينما كان يفتح الباب أمام المبعوثين الأميركيين على طاولة 'عهد جديد'. مع ذلك، هذه المساحات الرمادية غير متاحة بالدرجة نفسها في العراق، بسبب تعدد الفصائل وتبادل الأدوار فيما بينها. يقول سياسي عراقي إن 'فصيلاً قد يوافق على أن يتولى السوداني إعادة تركيب الصورة لتلائم المتغير في المنطقة، لكن هذا يحتاج إلى أثمان معينة في الداخل، كما أن صفقة واحدة لا تجمع الفصائل، ثمة مصالح لكل جهة، وسلاحها ضمانة وجودية حتى لو تخلت عنه طهران'.
تابعت 'النهرين'، مقالا تحليلا لصحيفة 'الشرق الأوسط' السعودية الصادرة من لندن، بخصوص تصريحات رئيس الوزراء محمد السوداني الأخيرة، خلال زيارته لمحافظة النجف والتي تحدث فيها عن دعم لموقف المرجعية الدينية من نزع السلاح، وهو ما عدته الصحيفة انضماماً لمواقف المرجع وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وشبهت محاولته الصعبة لإمساك العصا من الوسط بالظروف الحالية التي يعيشها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري في ملف نزع سلاح حزب الله.
يحاول رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الحصول على غطاء من المرجع الديني علي السيستاني، إذ يواجه فصائل مسلحة تمانع حصر السلاح بيد الدولة، بينما كان قادتها يصوبون نحو الحكومة بالتهديد، متمسكين بوضعها 'المقاوم'. لأسباب عديدة، ومنها حملته الانتخابية، سافر السوداني إلى النجف يوم 9 تموز 2025، وأمام تجمع عشائري قال إن 'برنامج الحكومة حريص على توجيهات المرجعية (السيستاني) في حصر السلاح ومكافحة الفساد'، وزاد على ذلك بالقول إن 'القبائل يمكنها المساعدة'. وكلما تعلق الأمر بمواجهة الجماعات الموالية لإيران في العراق، تفرض موازين القوة على رؤساء الحكومات الاستعانة بعناوين يمكنها الصمود أو الوقوف خلفها، السوداني، في هذه الحالة، ليس استثناء، لكن الحديث المتكرر عن تراجع النفوذ الإيراني، الذي يتضمن صمود الفصائل، هو ما يجعل المواجهة الراهنة واضحة جداً بين رئيس حكومة يطمح إلى ولاية ثانية وفصائل تمر بلحظة شك حول وجودها وأصل قوتها.
ولاية ثانية للسوداني بالنسبة لشيعي من الطبقة المتوسطة، تعلم النجاة في المؤسسات الحكومية، ويتعلم النجاة من مطحنة الزعامات إذ ينافسها، وبعد عقدين من العيش في الظل، فإن حلم السوداني الشخصي بولاية ثانية مشروع بالنسبة له، لكن المتغيرات العاصفة في المنطقة لا تنتظر من بغداد، حليفة طهران وصديقة واشنطن، أن تقدم للعالم مجرد أحلام شخصية دون مشروع أكبر، ثمة شيء يجب أن يتغير. حتى يحقق حلمه الشخصي، لا يملك السوداني إلا أن يقدم ضمانات محلية وخارجية، هذه مهمة شبه مستحيلة، وفق قيادي شيعي بارز في 'الإطار التنسيقي'، لكن ماذا لو قرر تحقيق أحلام المنطقة والعالم بأن يتفرغ لسلاح الفصائل؟ يقول القيادي 'تبدو المهمة انتحارية'. يعتقد كثيرون من بيئة 'المقاومة' أن ثمن الولاية الثانية هو تصفية سلاح الفصائل بعد الانتخابات 'وليس الآن'، يقولون إن تراجع النفوذ الإيراني 'محسوس في بغداد لكنه غير ملموس'، وكل فصيل يشعر بأن انشغال الأب بالمفاوضات النووية يكشف ظهر الأبناء، كأنهم يقفون عند أبواب مخازن الأعتدة يحرسونها من 'حصر السلاح'، إذ يكرره على المسامع المرجع السيستاني ومقتدى الصدر، وينضم إليهما السوداني الطامح. بالنسبة لفصيل عنيد مثل 'كتائب حزب الله'، فإن لهجة السوداني تكسر قواعد الاشتباك بين رئيس الحكومة والفصائل. قواعد كانت تقضي بحماية التوازن الشيعي بين السلطة والفصائل. يقول القيادي إن 'الحرس الثوري' الإيراني كان هو الوحيد الذي يلعب دور الناظم في هذه المعادلة. تفقد 'كتائب حزب الله' شيئاً من التوازن في خطابها العام، أكثر مما كان عليه الحال أصلاً. ففي 5 تموز، اعتبر المسؤول الأمني في الفصيل، المعروف باسم 'أبو علي العسكري'، أن سلاح المقاومة هو 'وديعة الإمام المهدي عند المجاهدين (…) والإمام وحده من يقرر مصيره'، يقول العسكري 'أشباه الرجال لا يحق لهم أن يقرروا ما يجب أن يكون عليه السلاح'. ثمة انشغال عراقي بمن يقصده العسكري، محاولة التأويل أو تأشير المقصود محفوفة بالمخاطر، لكن 'كتائب حزب الله' من الداخل ربما تشعر بأن نمط الصراع يتغير، وأن ما هو انتخابي يختلط بما هو إقليمي. وما من تفسيرات بعيدة عن هذه التركيبة المحيرة حين يراقبون التسريبات المصورة تتقاطر عن المدان بقتل الباحث البارز هشام الهاشمي، مرة وهو يعترف على نائب مقرب من الفصيل، ومرة وهو يجسد مسرح الجريمة أمام الشرطة في كشف دلالة على نفسه، وفصيله. في هذه الأجواء التي تستعيد حرب التسريبات المصورة، بعد تجميدها مؤقتاً، تناقش قيادات شيعية 'مخاطر الانتقال إلى ما هو أسوأ، على طريق الانتخابات المربوطة بمصير سلاح الفصائل، وبالتحولات السريعة في المنطقة'. يقول القيادي الشيعي 'يعرف (الإطار التنسيقي) أن شيئاً مفصلياً في جوهر النظام السياسي يجب أن يتغير، لكن وضع الإصبع عليه قد يفجر ألغاماً ومعارك بالمعنى الحرفي للمعركة (…) هذا ما يؤخر الجميع عن اتخاذ الخطوة، ويؤثر هذا على ثقتهم بأن موعد الانتخابات مناسب في تشرين الثاني 2025'؛ مع ذلك، التلاعب بالمواقيت مرفوض جداً، خصوصاً لمن هم متحمسون لفرصهم السياسية، مثل رئيس الحكومة. نبيه بري العراقي لا يتفق تيار سياسي مع فرضية المواجهة المباشرة بين السوداني والفصائل. يقول أشخاص يطلعون بانتظام على مضمون اجتماعات 'إدارة الدولة'، وهو ائتلاف يضم قوى شيعية وسنية وكردية مشاركة في الحكومة، إن 'الأزمة تتعلق بطريق احتواء الضغط الدولي على سلاح الفصائل، وليس ضربها'. بحسب مداولات سياسية أُجريت أخيراً بين فاعلين في هذا الملف، فإن واحدة من الأفكار الأساسية التي يجري اختبارها لإعادة التوازن بين الوضع السوري الجديد، ومتطلبات 'صداقة ترمب'، والبقاء ضمن مرمى البصر الإيراني؛ هي ابتكار صيغة الرجل الذي يمسك العصا من المنتصف، والقادر على التعامل مع الملفات الشائكة بموازاة بعضها. من يقوم بهذا الدور يجب أن يكون في موقع نزاع مع الفصائل، أو هكذا يجب أن يبدو عليه الأمر. يميل سياسيون عراقيون إلى الاعتقاد بأن غضب الفصائل المبالغ فيه على رئيس الحكومة 'الذي يصد عنهم ضغوط الغرب'، هو محاولة لخلق مساحة حرة للتفاوض. شيء من هذا القبيل يشبه الأدوار التي يلعبها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وقد واجه ممانعات الأمين العام لـ'حزب الله' نعيم قاسم بشأن السلاح، بينما كان يفتح الباب أمام المبعوثين الأميركيين على طاولة 'عهد جديد'. مع ذلك، هذه المساحات الرمادية غير متاحة بالدرجة نفسها في العراق، بسبب تعدد الفصائل وتبادل الأدوار فيما بينها. يقول سياسي عراقي إن 'فصيلاً قد يوافق على أن يتولى السوداني إعادة تركيب الصورة لتلائم المتغير في المنطقة، لكن هذا يحتاج إلى أثمان معينة في الداخل، كما أن صفقة واحدة لا تجمع الفصائل، ثمة مصالح لكل جهة، وسلاحها ضمانة وجودية حتى لو تخلت عنه طهران'.
التعليقات
"نبيه بري العراق" يحمل الى النجف مطلب السيستاني والصدر بـ "حصر السلاح" .. هل سينجح السوداني لتعزيز حلم الولاية الثانية؟
التعليقات